اقتحام مدينة منبج الاستراتيجية اخر معاقل “داعش” واقواها في جوار حلب نقطة تحول رئيسية في المشهد السوري.. بقلم عبد الباري عطوان

قوات سوريا الديمقراطية

اقتحام مدينة منبج الاستراتيجية اخر معاقل “داعش” واقواها في جوار حلب نقطة تحول رئيسية في المشهد السوري.. وبروز لافت لقوات “سورية الديمقراطية”.. فما هو مستقبل هذه القوات وما هو الثمن الذي ستحصل عليه مقابل “انتصاراتها” هذه؟ وهل مشروع “الفدرلة” يقترب؟بقلم عبد الباري عطوان

 atwan-ok-400x264

يتبادل الجانبان الامريكي والروسي الاتهامات بإختراق اتفاق الهدنة في سورية، والتفاهمات بين الجانبين حول التسوية السياسية، ويقول كل طرف ان “كيله طفح”، لكن الامر المؤكد ان كيل “الدولة الاسلامية” هو الذي طفح فعلا، بعد خسارتها مدينتين استراتيجيتين في اقل من اسبوع، الاولى هي مدينة الفلوجة، في العراق، والثانية مدينة منبج الاستراتيجية في جوار حلب.

صحيح ان مدينة الفلوجة تشكل اهمية خاصة لـ”الدولة الاسلامية” لانها لا تبعد اكثر من ستين كيلومترا من العاصمة بغداد، وتشكل حاضنة سنية قوية ومتشددة، ولكن خسارة “الدولة” لها لا تقارن بخسارتها لمدينة منبج، التي دخلتها قوات سورية الديمقراطية امس، لكونها تقع على خط الامداد الرئيسي للتنظيم بين الحدود التركية ومدينة الرقة العاصمة.

هذه “الانتصارات” المتواصلة التي تحققها قوات سورية الديمقراطية بغطاء جوي امريكي في منطقة حلب، بالتوازي مع اخر روسي في الرقة، وقوات خاصة امريكية وفرنسية وروسية، تحولها الى الرقم الاهم في المعادلة العسكرية على الارض السورية، مما يعني ان هذه القوات، التي يشكل الاكراد عمودها الفقري، ستكون قوة موازية للجيش العربي السوري، وربما منافسة له في المستقبل المنظور.

مهمة هذه القوات في الوقت الراهن معروفة ومعلنه، وتنحصر في قتال “الدولة الاسلامية”، وانهاء سيطرتها على مناطق رئيسية في شرق سورية وشمالها، بدعم امريكي روسي مشترك جوا وبرا، ولكن السؤال الملح هو عن ادوارها ومهامها المستقبلية في سورية والمنطقة بأسرها، في اطار ما يتم تداوله من سيناريوهات يجري اعدادها في غرف سرية مغلقة.

***

هناك امران مهمان في هذا الصدد لا بد من وضعهما في عين الاعتبار، الاول ان حلّ هذه القوات في حال انتهاء مهمتها يبدو مستبعدا، ان لم يكن غير وارد اصلا، الامر الذي يستنبط سؤالا آخر حول دورها المستقبلي، والمكافأة التي ستحصل عليها من القوتين العظميين بعد انجاز مهامها كاملة؟

لا نستبعد ان تصبح قوات سورية الديمقراطية هذه الى الجيش الرسمي المعتمد لاي كيان كردي تخطط الدولتان العظميان لاقامته على طول الحدود السورية الشمالية بمحاذاة نظيرتها التركية، وما يدفعنا للوصول الى هذا الاحتمال، حجم التسليح والتدريب، وحال التهميش التي تعيشها تركيا، وبشكل متصاعد، تجاه الملف السوري بشقيه السياسي والعسكري، وامتداد الحالة التهميشية نفسها الى شركائها العرب مثل المملكة العربية السعودية وقطر.

المخطط الروسي الامريكي للقضاء على “الدولة الاسلامية” يحقق تقدما ملموسا يوما بعد يوم، والاراضي التي تسيطر عليها هذه الدولة، والفصائل الاسلامية الاخرى المشابهة مثل “جبهة النصرة” و”احرار الشام” تتآكل بشكل مضطرد، وهذا لا يعني ان هذه “الدولة” سترفع الراية البيضاء استسلاما، فهذا تكهن سابق لاوانه، وما يمكن حدوثه ربما يكون العكس تماما، اي نزولها تحت الارض، وتغيير تكتيكاتها العسكرية من حيث اللجوء الى العمل السري والعمليات الانتحارية الانتقامية، سواء بالاحزمة الناسفة او السيارات المفخخة، ولعل عملية التفجير التي استهدفت حاجزا عسكريا اردنيا في منطقة الركبان على الحدود السورية قبل ثلاثة ايام، واسفرت عن مقتل ثمانية جنود، احد المؤشرات في هذا الصدد.

سيطرة قوات سورية الديمقراطية على الحدود السورية التركية، والمعابر الرئيسية فيها، هو واحد من اهم التطورات في ملف الازمة السورية منذ انفجارها مطلع العام 2011، لان هذه المعابر التي كانت شريان الحياة الرئيسي، ماليا وتسليحيا لفصائل المعارضة السورية المسلحة، والجماعات الاسلامية المتشددة، هي التي اطالت من عمر الحرب اكثر من خمس سنوات، وفتحت الباب على مصراعيه امام التدخلات العسكرية الخارجية، والروسي منها على وجه الخصوص.

***

سقوط مدينة منبج بعد هجوم قوات جيش سورية الديمقراطية بدعم امريكي فرنسي جوي وارضي، علامة فارقة في مسيرة الازمة السورية، ربما تمهد الطريق في اتجاهين متوازين، الاول استئناف العملية السياسية التفاوضية وفق التفاهمات الروسية الامريكية بعد نهاية هذا الصيف واوائل الخريف، وبلاعبين جدد، والثاني وضع خريطة طريق لـ”الفدرلة” او التقسيم الطائفي والعرقي لسورية، وربما المنطقة بأسرها، وتبلور حدود الدولة الكردية الجديدة، وعمادها قوات سورية الديمقراطية، فالجيوش هي التي تصنع الدول في منطقة الشرق الاوسط، وليس العكس حاليا.

هل سينجح هذا المخطط، او بالاحرى سيسير في اتجاهه المرسوم دون عقبات؟ احتمالات النجاح تبدو اكبر من احتمالات الفشل وفق المؤشرات الحالية، ونقولها بكل الم، نحن الذين نعارض التقسيم والتفتيت، ولكن كم تغيرت خريطة التحالفات والوقائع على الارض على مدى السنوات الخمس الماضية، ومن كان يتوقع صمود الجيش والدولة السورية طوال هذه السنوات، وانهيار منظومات مثل المجلس الوطني، والائتلاف الوطني، واصدقاء سورية، وجامعة نبيل العربي واختفاء فرسانها من وزراء الخارجية العرب من المسرح كليا لاسباب عديدة.

المتغيرات متواصلة وقائمتها تطول، والثابت الوحيد حتى الآن هو “الدولة السورية” بعض النظر عن شكلها وقوتها وهيكلتها.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...