من يصدّق بيان الرئاسات؟ (كتابة عدنان حسين)…

اجتماع الرئاسات الثلاث

من يصدّق بيان الرئاسات؟ (كتابة عدنان حسين)

عدنان حسين

من دون تردّد أو خشية، يمكنني الجزم بأن بين الخمسة والثلاثين مليون عراقي لا يوجد حتى عشرة آلاف شخص سيحملون على محمل الجد ما جاء في البيان الصادر عن الاجتماع الموصوف بانه “مهم”، والمنعقد في قصر السلام الرئاسي ببغداد أول من أمس بحضور الرؤساء الثلاثة وقادة ورؤساء الكتل السياسية.
البيان قال في إحدى فقراته الإفتتاحية انه “سادت الاجتماع روح إيجابية في حسن التفاهم والتعبير عن الشعور العالي بالمسؤولية وبما يساعد على تجاوز الكثير من المعضلات”، وهذه اول كذبة في البيان، فالنقاش داخل مجلس النواب في جلسة أمس التي أستضيف فيها وزير الخارجية أظهر أن هناك تبايناً حادّاً في المواقف حيال قضية الوجود العسكري التركي الذي كان أحدى القضايا الرئيسة المطروحة في الاجتماع الرئاسي. ولو كانت الروح الايجابية “في حسن التفاهم والتعبير عن الشعور العالي بالمسؤولية وبما يساعد على تجاوز الكثير من المعضلات” هي التي سادت الاجتماع الرئاسي لتلمسّنا انعكاساً مباشراً لذلك أمس في مداخلات اعضاء البرلمان الذي يتكون من ممثلي الكتل والائتلافات التي شارك رؤساؤها وزعماؤها في الاجتماع الرئاسي.
أما الكذبة الثانية الواردة في البيان، أو بالأحرى الأولى لأنها جاءت في اول جملة من أول فقرة في البيان عن الاجتماع، وهي التي قررت أنه  “سعياً من أجل الارتقاء بالعملية السياسية وتطوير الأداء بمختلف المستويات لصالح البناء والنهوض والتقدم سياسياً وأمنياً وإدارياً” قد عقد الاجتماع، فهذا ليس هدفاً لمن حضروا الاجتماع جميعهم، والدليل أن برنامجي الاصلاح اللذين تعهدتهما الحكومة والبرلمان في آب الماضي بعد انطلاق المظاهرات الشعبية، جرى التخلي عنها الآن تقريباً لأن الأغلبية من القوى المتنفذة في الحكومة والبرلمان تقف بالضد من الارتقاء بالعملية السياسية وتطوير الاداء. مجلس النواب تراجع عن تفويضه رئيس الوزراء إجراء الاصلاحات، بل إتخذت بعض تلك القوى إجراءات سياسية وقضائية لتحجيم عملية الاصلاح التي إقترحها رئيس الوزراء.
بيان الاجتماع الرئاسي تضمّن، بالإضافة إلى هذا، 14 بنداً إتفق عليها المجتمعون، أهمها: الإلتزام بالعمل بمبادئ وحدة الموقف الوطني المسؤول والملتزم بمبادئ الدستور والحريص على وحدة العراق وأمنه واستقلاله، ودعم وإسناد الجيش وقوى الأمن الوطنية وإعادة تنظيمها، والعمل على علاقات حسن الجوار والتعايش مع الدول المجاورة وغيرها، وتقديم الشكر والتقدير للدول التي قدمت و تقدم الدعم والاسناد للعراق في مواجهته لداعش، وتهيئة كل ما يساعد على تحقيق المصالحة المجتمعية ومواصلة الجهود المبذولة في هذا المجال من أجل توحيد موقف ومشاركة العراقيين جميعهم وحل جميع الاشكالات عبر الحوار وعلى أساس الدستور والاتفاقات السياسية في بناء العراق الديمقراطي الاتحادي الحر المستقل، والعمل لانجاز تشريع القوانين المتأخرة وتعديل ما يتطلب التعديل منها، وتوفير الاجواء المناسبة لفتح حوار جاد ومسؤول بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان لمعالجة جميع المشكلات العالقة، والحث والعمل على دعم أي جهد اصلاحي داخل مؤسسات الدولة وبما يساعد في القضاء على الفساد وفي تطوير الاداء بمختلف المؤسسات وفي تقديم أفضل الخدمات للمواطنين.
القطع بأن الأغلبية الساحقة من العراقيين لن تأخذ مأخذ الجد ما جاء في البيان قائم على واقع أن المجتمعين لو كانوا جديين في فعل ما يقولون لإتخذوا القرارات داخل الحكومة ولصاغوا القوانين في مجلس النواب، فهم وليس أحد غيرهم مَنْ يقرر ومَنْ يسنّ القوانين لأنهم أسياد الحكومة والبرلمان.
البيان ليس سوى كذبة كبيرة أخرى تُضيفها الطبقة السياسية المتنفذة الى الكم الهائل من أكاذيبها .. وأراهن على أننا بعد سنتين وثلاث سنسمع هذا الكلام بالنص مجدداً غير مرة.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...