لقاء بارد فى روسيا ( كتابة فهمي هويدي)…

الاسد وبوتين 2

لقاء بارد فى روسيا ( كتابة فهمي هويدي)

فهمي-هويدي-1

زيارة الرئيس السورى حافظ الأسد إلى موسكو كانت ولاتزال أهم خبر عربى فاجأ الجميع وأثار دهشتهم. حتى وصفت فى أكثر من تعليق بأنها «زلزال سياسى»، تعددت الاجتهادات فى تفسير دوافعه وخلفياته ومقاصده. وكان أكثر ما لفت الأنظار فى شكل الزيارة ليس فقط السرية التى أحيطت بها، ولكن أيضا أن الأسد ذهب وحيدا فى حين أن الجانب الروسى بدا وكأنه لجنة تحقيق واستنطاق، فإلى جانب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، رأينا فى صور اللقاء وعلى طاولة المحادثات وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين إلى جانب سكرتير مجلس الأمن القومى الروسى. وهو أمر غير مألوف فى الأعراف والبروتوكولات. كذلك لم نر علمى الدولتين ولا الزهور التى توضع بين الرئيسين، حتى المترجم جلس خلف الرئيس بوتين وكأنه جاء لينقل إليه أجوبة بشار الأسد حيث لم يكن فى الحسبان أن ثمة حوارا بين الجانبين.

هذه الملاحظات التى وردت فى بعض التعليقات استوقفتنى بعدما قرأت تقرير صحيفة «نيويورك تايمز» عن اللقاء فى عددها الصادر يوم ٢١/١٠، الذى كان عنوانه: «استقبال بارد لبشار الأسد فى موسكو». لم يشر التقرير إلى الملاحظات التى أظهرتها صور اللقاء، لكنه أورد معلومات كثيرة أيدتها.

تقرير الصحيفة الأمريكية أكد ما تردد من أن الرئيس الروسى يعتبر أن العمليات العسكرية تمهد للحل السياسى الذى يريد لروسيا أن تقوم بدور فيه لكى يعيد إليها دورها كلاعب أساسى فى الشرق الأوسط، كما نوه إلى أن موسكو مهتمة ببقاء واستمرار الدولة السورية، وليس بمصير الأسد ونظامه. وهى لا تريد تقسيم سوريا بحيث تظهر فيها دولة موالية لواشنطن. كذلك اهتم التقرير بإبراز هشاشة العلاقة بين الرئيسين وكيف أن «الكيمياء» بينهما ليست على ما يرام. وشبه علاقة بشار بالرئيس بوتين بعلاقة نتنياهو بالرئيس الأمريكى أوباما. فالتحالف قائم على صعيد المصالح الاستراتيجية لكن التوتر مخيم على العلاقات الشخصية. فى هذا الصدد نقلت الصحيفة عن خبراء بالشأن الروسى قولهم بأن موسكو انفتحت على المعارضة السورية المعتدلة ونصحت الرئيس السورى بذلك للتوصل إلى حل سياسى، إلا أنه لم يستجب للدعوة الروسية. ودللت على ذلك بحالة اثنين من المعارضين الذين حبذت موسكو التفاهم معهما؛ أحدهما عبدالعزيز الخير الذى عاد من بكين إلى دمشق لكنه اعتقل واختفى فور وصوله. الثانى هو لؤى حسين الذى دعى لزيارة موسكو، لكنه اعتقل بدوره قبل سفره والأول لم يعرف مصيره أما الثانى فقد أطلق سراحه بعد عدة أشهر بوساطة إيرانية. إلى غير ذلك من القرائن التى دلت على أن بشار الأسد متردد وغير متحمس للقبول بفكرة الحل السياسى لأزمة بلاده.
من المعلومات المهمة التى أوردها التقرير أن الرئيس بوتين بدأ التحضير للتدخل العسكرى فى شهر يونيو الماضى حين دعا وزير الخارجية السورى وليد المعلم لزيارة موسكو آنذاك وأبلغه بالرسالة. ونقلت الصحيفة عن بعض المحللين قولهم إن التدخل العسكرى فى الصراع الحاصل فى سوريا من شأنه أن يقوى موقف روسيا ويضعف الأسد فى الداخل، حيث يبدو فى موقف العاجز عن الاستمرار فى التصدى للفصائل المعارضة. وبهذا التدخل فإن بوتين يصبح فى موقف أفضل فى تعامله مع تردد الأسد ورفضه للحل السياسى.
لم يشر التقرير إلى ما نقلته وكالات الأنباء عن الرئيس الروسى حين عبر عن قلقه من وجود نحو أربعة آلاف من شباب الجمهوريات الإسلامية فى بلاده ضمن الفصائل المقاتلة فى سوريا، وقوله إنه لا يريد لهؤلاء أن يعودوا إلى أهليهم لإشاعة الإرهاب فى روسيا.
رغم أن المتحدث باسم الكرملين ذكر أن الرئيسين الروسى والسورى لم يناقشا المستقبل السياسى للأسد، إلا أن حضور الرئيس السورى وحده إلى موسكو ودون أى مرافق من السياسيين أو العسكريين يوحى بأن شخص الأسد ومصيره كان ضمن موضوعات البحث إن لم يكن أهمها.
كان ملاحظا أن الرئيس الروسى أجرى اتصالات هاتفية مع الرؤساء والمعنين بالأمر فى المنطقة لينقل إليهم خلاصة ما دار فى الاجتماع. وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى من بينهم وكذلك العاهل السعودى الملك سلمان والرئيس التركى رجب طيب أردوغان إضافة إلى العاهل الأردنى الملك عبدالله. ولفت الانتباه فى هذا الصدد أن جريدة «الأهرام» الصادرة يوم الخميس ٢٢/١٠ ذكرت خبر الاتصال الذى تم مع الرئيس السيسى ووصفته بأنه «محادثات هاتفية»، واعتبرته العنوان الرئيسى فى صفحتها الأولى. إلا أنها تجاهلت اتصالات الرئيس بوتين مع زعماء السعودية وتركيا والأردن، فى إيحاء غير مباشر بأن الرئيس الروسى خص الرئيس المصرى بذلك الاتصال. ومن المفارقات أن الصحيفة الالكترونية «رأى اليوم» الصادرة فى نفس اليوم أشارت إلى اتصال الرئيس الروسى مع «زعماء أساسيين فى المنطقة»، وذكرت منهم الملك سلمان والرئيس أردوغان والملك عبدالله، وفاتها ذكر اسم الرئيس السيسى!

*نقلا عن “الشروق” المصرية

شاهد أيضاً

حكمتُك يا رب.. بقلم ضياء الوكيل

أعرف أن أولادنا هم أبناءُ الحياةِ وبُنَاتِها، وهم رسائل حيّة نبعثها الى زمنٍ لن نراه، وإن كانوا معنا وهم فتيةٌ وصغار، فلهم حياتهم عندما يكبرون، وإنّها لحكمة عظيمة، وسنّة ما لها تبديل، حكمتك يا رب، وهي رحمة وسكينة..