رفع كلفة الإحتلال… سقوط خيار المفاوضات لم يترك للفلسطينيين خياراً آخر غير الميدان، وعنوان الجهد الفلسطيني والعربي اليوم يجب أن يكون رفع كلفة الاحتلال ( مروان المعشّر)…

الانتفاضة الثالثة

رفع كلفة الإحتلال… سقوط خيار المفاوضات لم يترك للفلسطينيين خياراً آخر غير الميدان، وعنوان الجهد الفلسطيني والعربي اليوم يجب أن يكون رفع كلفة الاحتلال ( مروان المعشّر)…

مروان المعشّر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط. شغل منصبَي وزير الخارجية (2002-2004)، ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) في الأردن، وشملت خبرته المهنية مجالات الدبلوماسية والتنمية والمجتمع المدني والاتصالات.

الأراضي الفلسطينية اليوم على أبواب انتفاضة فلسطينية ثالثة، إن لم تكن قد بدأت بالفعل. إذ لم يعد من الممكن إبقاء الشعب الفلسطيني ساكناً، وقد سدت في وجهه الآفاق كافة من أجل تحقيق حلمه في إقامة دولته المستقلة، على ترابه الوطني، فما بالك، فوق ذلك، والاستفزازات الإسرائيلية في المسجد الأقصى تحديداً قد تجاوزت كل الحدود!

من يتحدث مع الفلسطينيين والفلسطينيات داخل الأراضي المحتلة اليوم، يدرك أن الحراك الفلسطيني بدأ يتجه في تفكيره نحو الحقوق الأساسية اليومية، بعيداً عن المطالبة بالحلول الكبرى؛ كحل الدولتين وحتى حل الدولة الواحدة. ولا يعني هذا، بالطبع، تخلي الفلسطينيين عن حقوقهم الوطنية، لكنه يعني فقدان الأمل بكل الجهود الدولية لتحقيق هذه الحقوق، والاستعاضة عن ذلك مرحلياً بالعمل على الأرض ومحاولة فرض حقائق جديدة، والمطالبة ببعض الحقوق الأساسية واليومية؛ من تعليم وصحة وغيرهما.

 عنوان المرحلة اليوم ليس عملية السلام، ولا استئناف المفاوضات التي لم يعد الشارع الفلسطيني أو العربي مؤمناً بها. فعقود من المحاولات والمفاوضات المضنية، كان لي شرف المشاركة فيها، بقيت تصطدم بتعنت إسرائيلي وعدم الجدية  في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود 1967، تكون قابلة للحياة، وتتضمن القدس الشرقية. عنوان المرحلة اليوم لدى الشارع الفلسطيني، هو رفع كلفة الاحتلال، والمطالبة بالحقوق الأساسية. أما الأفق البعيد، فلم يعد يحظى بالاهتمام الآني للشارع.

حملة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية تُقرأ من هذه الزاوية. فبعد أن كانت على هامش الحراك الفلسطيني لدى إطلاقها العام 2005، أصبحت هذه الحملة اليوم قضية محورية في هذا الحراك، تتمتع بتأييد أكثر من 80 % من المجتمع الفلسطيني، وبتأييد متزايد لدى المجتمع الدولي. بعبارة أخرى، هذه الحملة ترفع من كلفة الاحتلال.

قبول السلطة الوطنية الفلسطينية كعضو في المحكمة الجنائية الدولية، تُقرأ من هذه الزاوية أيضاً، لأنها ستضع المسؤولين الإسرائيليين تحت التهديد المستمر بإمكانية ملاحقتهم جنائياً أمام المحكمة، كلما سافروا للخارج، ما يفسر قلق إسرائيل الحقيقي من هذه الخطوة. وبغض النظر عن مدى جدية السلطة الوطنية الفلسطينية في مثل هذه الملاحقة، فإن مجرد إمكانية ذلك يثير قلق إسرائيل. مرة ثانية، يرفع الانضمام للمحكمة كلفة الاحتلال.

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة يجب أن تُقرأ وتدعم كذلك من زاوية رفع كلفة الاحتلال، لكي يكتب لها الاستمرار، حتى إن توقفت الاستفزازات الإسرائيلية الحالية. لأن استمرار الانتفاضة سيجبر إسرائيل على مغادرة دائرة التراخي لديها، كما قد يجبر السلطة الوطنية الفلسطينية على ترك دائرة تراخيها أيضاً، لأن هذه الانتفاضة قد لا تتوقف عند حدود سلطة الاحتلال. والمرجو أن تكون الانتفاضة سلمية قدر المستطاع، لأن الانتفاضة الثانية المسلحة كانت نتائجها، وباعتراف الفلسطينيين أنفسهم، سلبية. كما أنها، بسبب التفجيرات الانتحارية، لم تتمتع بتأييد دولي كبير.

مع هذا الوضع المستجد، مطلوب مقاربة عربية جديدة، تتوقف عن معاملة إسرائيل كشريك في السلام، وتساهم هي الأخرى في رفع كلفة الاحتلال. ليس من المنطق الاستمرار في مقاربة مبنية على المفاوضات وحدها، لأن نبل المسعى وكثافة الجهد، وأنا الذي كنت شريكاً في هذا المسعى، لم يحققا الهدف المرجو، بسبب تعنت إسرائيل، وتدني كلفة الاحتلال فلسطينياً وعربياً ودولياً.

استئناف المفاوضات لن يؤدي إلى نتيجة مختلفة؛ إذ ما دام الاحتلال لا يشعر بضغط فلسطيني وعربي ودولي، فإنه لن يغير من سياسته القائمة على التسويف من خلال المفاوضات، بينما يخلق حقائق على الأرض لإدامة الاحتلال.

سقوط خيار المفاوضات لم يترك حقاً للفلسطينيين خياراً آخر غير الميدان. وعنوان الجهد الفلسطيني والعربي اليوم يجب أن يكون رفع كلفة الاحتلال.

تم نشر هذا المقال في جريدة الغد.

Read more at: http://carnegie-mec.org/2015/10/21/ar-61699/ijfq

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!